من التميز إلى الريادة: نحو النجاح المستدام في الأعمال

مقدمة

في صباح خريفي من عام 1982، بدأت شركة كروغر (Kroger)، وهي سلسلة متواضعة من متاجر البقالة، رحلة تحول هادئة. ولعقود، كان أداؤها متوسطًا، لكن خلال خمسة عشر عامًا حققت عوائد للمساهمين بلغت 4.16 ضعف السوق العام.

ما ميّز قصة كروغر أنها لم تكن وليدة مدير تنفيذي لامع أو طفرة مفاجئة، بل نتيجة الانضباط والقيادة المتواضعة والوضوح الاستراتيجي. هذه الرحلة من الأداء الجيد إلى العظمة هي محور أبحاث جيم كولينز في كتابه الشهير من الجيد إلى العظمة.

الأساس البحثي للعظمة

حلل كولينز (Collins) وفريقه 1,435 شركة على مدار أربعة عقود للعثور على الشركات التي انتقلت من "جيدة" إلى "عظيمة" وحافظت على نجاحها لمدة 15 عامًا على الأقل. لم تتأهل سوى 11 شركة، وقد حققت مجتمعة عوائد بلغت 6.9 أضعاف أداء السوق خلال فترة تحولها.

المبادئ الأساسية للنجاح المستدام

1. القيادة من المستوى الخامس: قادة يجمعون بين التواضع والإصرار القوي.
2. الأشخاص أولاً ثم الاستراتيجية: النجاح يبدأ بتكوين الفريق الصحيح قبل تحديد الاتجاه.
3. مواجهة الحقائق القاسية: الجمع بين الأمل والواقعية وفق مفهوم مفارقة ستوكدايل.
4. مفهوم القنفذ: التركيز على ما يمكن أن تكون الشركة الأفضل فيه عالميًا، وما يحرك اقتصادها، وما يشعل شغفها.
5. ثقافة الانضباط: حرية مقترنة بالمسؤولية الصارمة، بعيدًا عن البيروقراطية.
6. التكنولوجيا كمسرّع: تُستخدم لتسريع الزخم، لا لخلقه من العدم.

الدروس المستفادة

العظمة لا تتحقق بين ليلة وضحاها، بل من خلال تراكم الجهود الصغيرة والمتسقة، وهو ما يسميه كولينز تأثير العجلة الدوارة.

القادة الذين صنعوا الفرق لم يكونوا نجومًا إعلاميين، بل أشخاصًا متواضعين ركزوا على الفريق، والثقافة، والوضوح في الرؤية.

ملاحظات نقدية

بعض الشركات التي صُنفت عظيمة لاحقًا واجهت تحديات كبيرة مثل سيركيت سيتي (Circuit City) التي انهارت، وفاني ماي (Fannie Mae) التي مرت بأزمة لاحقًا.

وقد أشار منتقدون إلى أن الدراسة ذات طبيعة استرجاعية وليست تنبؤية، ومع ذلك، يبقى جوهر الدروس صالحًا لأي مؤسسة تسعى إلى النجاح المستدام.

الخلاصة

الانتقال من الجيد إلى العظمة ليس شعارًا، بل طريق مبني على الانضباط والقيادة الواضحة والفريق الصحيح.

فالشركات التي تطبق هذه المبادئ تستطيع أن تحقق نجاحًا طويل الأمد يتجاوز المنافسة ويصنع قيمة مستدامة.