حين يقتل النجاحُ الابتكار: لماذا تتعثر الشركات الكبرى في الابتكار

5 دقيقة قراءة 1 تعليق 0 إعجاب
حين يقتل النجاحُ الابتكار: لماذا تتعثر الشركات الكبرى في الابتكار

حين يقتل النجاحُ الابتكار: لماذا تتعثر الشركات الكبرى في الابتكار وكيف نتجنب ذلك

مقدمة

على الورق، يفترض أن تفوز الشركات القائمة التي تمتلك عملاء ورأس مال ومواهب عالمية، ومع ذلك تتضاءل حظوظها. فقد انخفض متوسط فترة بقاء الشركة في مؤشر S&P 500 من نحو ثلاثة عقود في أواخر السبعينيات إلى ما بين 15 و20 عامًا في هذا العقد، وهو مؤشر على دوران لا يتوقف مع انقلاب نماذج الأعمال الجديدة على القديمة.

في الحقبة نفسها، تجاهلت شركة بلوكباستر (Blockbuster) فرصة شراء نتفليكس (Netflix) بنحو 50 مليون دولار ثم اختفت، بينما أعادت نتفليكس تشكيل طريقة مشاهدتنا للتلفاز. وفي عام 1975، ابتكر مهندس في كوداك أول كاميرا رقمية محمولة، لكن الشركة ترددت لأن أرباح الأفلام أبقت المستقبل بعيدًا. هذه الوقائع تشكّل المدخل إلى معضلة المبتكر، فالقيام بـ“الأمور الصحيحة” لعملاء اليوم قد يجعلك مخطئًا في أسواق الغد.

ما حقيقة المعضلة؟

الفكرة الجوهرية التي صيغت رسميًا في مقال وكتاب بارزين بسيطة: تتفوّق الشركات القائمة في الابتكارات المُحسِّنة التي ترفع الأداء لعملائها الأفضل، لكنها تتعثر أمام الابتكارات المُزعزِعة التي تبدأ أضعف على المقاييس التقليدية، وتخدم شرائح هامشية أو منخفضة المتطلبات، وتحتاج إلى هياكل تكاليف وقنوات جديدة.

تظهر الأدلة في صناعة الأقراص الصلبة نمطًا ثابتًا: تبتكر الشركات القائمة أبطأ من الداخلين الجدد عندما تهدد التقنيات الجديدة منتجاتها القائمة. عندما تكون تكلفة أكل الذات مرتفعة، تؤجل الشركات القائمة، أما الداخلون الجدد الذين لا يواجهون هذه المفاضلات فيتحركون أسرع.

لماذا تتعثر الشركات الكبرى؟

  • الاستماع المفرط لكبار العملاء: التركيز على العملاء قوة أساسية لتحقيق التحسينات المستدامة، لكنه قد يكون نقطة ضعف قاتلة. فالأسواق الجديدة الواعدة غالبًا ما تبدو في بدايتها صغيرة أو منخفضة الربحية، ونتيجة لذلك تُستبعد المشاريع المبتكرة لأنها لا تلبي معايير الربحية الفورية.
  • الوقوع في أسر نموذج العمل الحالي: تتطلب الفئات الجديدة من المنتجات قنوات توزيع وأساليب تسعير مختلفة تمامًا. نموذج أعمال كوداك القائم على الأفلام مثلًا منعها من التكيف مع الواقع الرقمي، بينما نجحت شركات أخرى بالتنويع والتأقلم.
  • الخوف من تآكل المبيعات الداخلية (Cannibalization): يخشى المديرون أن يؤدي إطلاق منتج جديد إلى التأثير سلبًا على مبيعات خط إنتاج حالي ومربح، رغم أن التآكل الذاتي قد يكون أحيانًا استراتيجية بقاء ضرورية.
  • التركيز المفرط على مقاييس الأداء الحالية: الاعتماد على أدوات التقييم التقليدية مثل ROI ومعدلات الربحية الثابتة يقلل من قيمة المشاريع الاستكشافية، لأن هذه الأدوات صُممت لتحسين الأداء الحالي لا لاكتشاف المستقبل.

كيف تتجنب معضلة المبتكر: دليل عملي

  1. افصل للابتكار، وادمج للتوسع: ضع المشاريع الابتكارية في وحدات مستقلة ذات قنوات وتكاليف خاصة، وحافظ على صغر حجمها وشغفها، ثم اربطها بالشركة الأم للاستفادة من مواردها عند إثبات الجدوى — جوهر ما يُعرف بـ"البراعة التنظيمية" (Organizational Ambidexterity).
  2. خطط من أجل التعلم، وليس من أجل الكمال: استخدم "التخطيط القائم على الاكتشاف" (Discovery-Driven Planning). حدّد الافتراضات الأساسية لنجاح المشروع، وموِّله على مراحل مع تراكم الأدلة، واعتبره محفظة فرص لا تكلفة.
  3. أسس لثقافة التغذية الراجعة السريعة: تبنَّ دورة "البناء - القياس - التعلم" (Build-Measure-Learn) لاختبار الافتراضات باستخدام منتجات الحد الأدنى (MVPs)، وقرر بعدها: هل تغيّر المسار أم تستمر؟
  4. حفّز على التآكل الذاتي للمبيعات: اجعل إطلاق منتجات قد تؤثر على الإيرادات الحالية خطوة إيجابية مهنيًا، واربط مكافآت القادة بالتقدم في المشاريع المستقبلية.
  5. استخدم مقاييس مختلفة لآفاق زمنية مختلفة: قيّم الأعمال الحالية بهوامش الربح، والمستقبلية بمؤشرات مثل تفاعل العملاء ومعدل الاحتفاظ واقتصاديات الوحدة، وراجع محفظتك فصليًا.
  6. ابحث عن الفرص حيث يوجد غير المستهلكين: ادرس "الوظائف التي يسعى العميل لإنجازها" (Jobs-to-be-Done) في الشرائح الهامشية، وابتكر حلولًا "جيدة بما فيه الكفاية" (Good Enough) أبسط وأرخص.
  7. قلّل من تكاليف التآكل الذاتي هيكليًا: صمّم منصات مشتركة لإعادة استخدام أجزاء من الأنظمة القديمة، وشجع قنوات التوزيع على المشاركة عبر حوافز مربحة.
  8. قم بمحاكاة الاضطراب الذي قد تواجهه: نفّذ تحليلات "Premortems" ومحاكاة "War Games" ضد منافسين مستقبليين محتملين، وحدد متى يجب أن تجعل منتجك الحالي قديمًا بنفسك.

البعد الإنساني: الشجاعة والفضول والإيقاع

تجنّب المعضلة ليس هيكلًا وإجراءات فقط، بل ثقافة. على القادة أن يؤكدوا أن حماية أرباح اليوم ليست الغاية، بل خدمة عملاء الغد. احتفلوا بالتجارب الصغيرة لا الإطلاقات الكبرى، ووفّروا الحماية لأصحاب الأفكار غير التقليدية حتى يجدوا الحقيقة.

هدف الابتكار ليس الجِدّة، بل مواءمة أفضل بين ما يقدّره الناس وكيف تُبدِعه. الحقيقة الصعبة هي أن معظم الشركات العظيمة لا تفشل لأنها لا ترى المستقبل، بل لأن نجاحها الحالي يجعل المستقبل غير جذاب على جداول الحساب.

الخلاصة

طريق الخروج هو تغيير الحسابات: افصل ما يجب فصله، وقِس ما يلائم المرحلة، وأعطِ الناس الإذن والحماية لبناء المنحنى التالي. تذكّر أن ساعة بقاء الشركات تدق، "أفضل وقت للبدء كان بالأمس، وثاني أفضل وقت هو الآن".

#مفارقة_المبتكر #ابتكار_هدام #استراتيجية_الأعمال #إدارة_الابتكار #تحول_رقمي #قيادة_تجارية #نمو_الأعمال #ريادة_الأعمال #ثقافة_الشركة #تلاقي

Guest
منذ شهر

Amazing!!!